المبتدأ: يحكى أن كلبا اختطف قطعة لحم، وهرب بها ليأكلها بعيدا عن العيون، وجد في طريقه جدول ماء رقراق، نظر فرأى صورته منعكسة، فظن أن في الماء كلبا آخر يحمل قطعة لحم أخرى، هجم عليه ليخطفها منه نابحا بشدة ليرهبه، لكنه نسي ما يطبق بفمه عليه، فسقطت قطعة اللحم وغاصت في الماء، وبالطبع تكدرت الصورة، فخسر الواقع والخيال .. وذهب فعله ذاك مثلا: الطمع ضر وما نفع.
الخبر: كان تأسيس الكيان اللقيط على أرض فلسطين أكبر نجاح حققه الغرب الطامع في تاريخ صراعه على الهيمنة والاستحواذ على الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي ظل الاستيلاء عليها حلما يداعبه منذ القدم.
لا شك أن الحظ ابتسم لهم عندما وجدوا في اليهود متطوعين ليتولوا إدارة وتشغيل هذا المخفر المتقدم الواقع في مركز الأمة العربية، التي طالما ظلت الحارس العنيد لهذه المنطقة الإستراتيجية، والتي منذ أن دخلت الإسلام وانتهجته عقيدة، فأقامت به أنجح دولة وأطولها عمرا في تاريخ البشرية، لم يتمكن أحد منها وما جرؤت أمة على غزوها وأفلحت، فبعضها رد على أعقابه خاسئا كالأوروبيين، وبعضها كالمغول والفرس انهزم ثقافيا فتحول الى عقيدتها، وبات جزءا منها.
لذلك لا يمكنهم التخلي عن هذا الكيان بعد أن حقق حلمهم، ومكن لهم في هذه المنطقية العصية عليهم، فهل بعد إدراك هذه البديهية يبقى عندنا أبله ينتظر من الغرب أن يحتكم الى العدالة أو معايير الإنسانية أو الأخلاق في تعامله تجاه قضية فلسطين؟.
خاصة وأنها فرصة لاحت ولن تتكرر، إذ تحقق ما كان ليتحقق اعتمادا على القوة فقط، بل بدعم من ثلاث فئات من بني جلدتنا:
الفئة الأولى هي إما عميلة مأجورة لدى مؤسسات الغرب الإمبريالية، أو كانت متبرعة لتنال دعمهم لحكمها.
وفئة أخرى مبهورة بما حققه الغرب لشعبه من رفاه وتقدم، لكنها عميّة عن رؤية أن ذلك الغنى ناجم عن احتكاره القوة والتسلط على الأمم الأخرى، وسرقة خيرات الشعوب المستعمرة، فتعتقد بسذاجة أن ذلك بسبب صوابية منهجه، فتسعى للالتحاق به واتباعه.
أما الفئة الثالثة فهي موجودة في كل الأمم والعصور، تكون حاقدة على الشعب بسبب اتباعه عقيدة لا يقتنع بها، وموتورة على الأمة لاختيارها دين الإسلام بصفته الرسالة الخاتمة لكل الرسالات، وبالتالي فهي التي دعا الله الناس جميعا لاتباعها، سواء كانوا متبعين للرسالات السابقة أو غير مؤمنين.
هذه الفئات الثلاث التقت بغير تنسيق فيما بينها على التمكين لأعداء الأمة، الأولى طمعا والثانية حمقا والثالثة حقدا.
فأما الفئة الأولى فهي التي سكتت عن دخول المهاجرين اليهود أربعين عاما رغم أنها تعلم النية والخطة، وظلت تُعمي على تسللهم الى فلسطين وتخذل الناس عن مقاومتهم، حتى مكنت لهم في الأرض، رغم أنه كان من السهل تنبيه الناس الى نواياهم وبالتالي منع تشكيلهم عصاباتهم الإرهابية.
وأما الثانية فهي التي ساعدت الغرب على طرد العثمانيين بوهم الاستقلال والتحرر، وروجت للتحول من الدولة الإسلامية الى القومية، وسهلت تنفيذ مؤامرة التقسيم بحجة الواقعية والتعقل.
وأما الثالثة فهم يمثلون المنافقين تاريخيا، ويتعاونون مع كل من يعادي منهج الأمة، ومثال على ذلك، تحالف حاكم أنطاكية مع الصليبيين، وخيانة موارنة لبنان ليوسف العظمة، ثم مطالبتهم ببقاء الفرنسيين، وقيام الكنيسة الأرثوذوكسية في القدس ببيع بعض أراضي الوقفية لليهود.
في بداية احتلال فلسطين، كان قصارى أحلام الغرب الاعتراف الدولي بذلك الكيان الذي تأسس بإرهاب المجازر والتهجير، واعتباره دولة، ولما تم ذلك بقرار التقسيم، طمعوا أكثر فاعترفت به الدول المجاورة من خلال اتفاقيات الهدنة، ثم طمعوا أكثر بالاستيلاء على ما تبقى في عام 67، وأطمعهم تنازل منظمة التحرير عن الجزء الأول، فماطلوا بإرجاع المحتل الجديد، وعندما عرضوا إقامة إدارة حكم ذاتي هزيل قبله العرب فورا وتبنوه فيما سمي المبادرة العربية، فطمعوا أكثر فرفضوها أيضا.
ربما أراد الله بذلك أن يضلهم ولا ينجح مساعيهم، فلو نجحت خطتهم فيما يسمى (حل الدولتين)، فأقاموا ذلك الكيان المنزوع الدسم المسمى دولة فلسطينية، ربما ماتت القضية وضاعت فلسطين، لكن طمعهم سيودى بهم، ومثلما أضاع طمع ذلك الكلب ما كان بحوزته، سوف يخسر الغرب الطماع أيضا جميع ما اختطفه .. وستعود فلسطين الى أمتها .
هاشم غرايبه
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين