إن الإسلام يصبغ المسلم بصبغته ،ويرافقه في حركاته وسكناته وتصرفاته، فلا يؤدي عملاً إلا بعد أن يعرف حكم الإسلام فيه، وللإسلام آداب في القيام والجلوس، وفي اليقظة والنوم، وفي الطعام والشراب، وفي معاشرة الأهل ، وهي آدابٌ يهملها كثير من الناس ، مع أن اتباعها يربي النفس المسلمة ويحقق للمجتمع الإٍسلامي الصفة البارزة التي أرادها له الشارع الحكيم.
وللسفر آدابٌ نريد اليوم أن نشير إلى بعضها وهي ذات فائدةٍ لمن أراد اتباعها ، والمسافر اليوم يجعل أكبر همه شراء ما هو في حاجةٍ إليه من أمتعةٍ وهدايا وهو واثقٌ من نفسه من أنه سوف يعود من سفره ويتابع أعماله، مع أن العودة من السفر ليست مضمونةً، وكم من الحوادث التي وقعت للمسافرين في البر والبحر والجو، وبما أن الأعمار بيد الله سبحانه
رد المظالم وقضاء الديون والوصية:
فمن الأفضل للمسافر أن يبدأ برد المظالم وقضاء الديون والوصية، وذلك من باب الاحتياط لنفسه ولدينه، وعليه أن يعد النفقة اللازمة له في السفر ويؤمِّن نفقة من هو مكلفٌ بالإنفاق عليه كالزوجة والأولاد والأهل، وعليه أن يجمع النفقة والزاد من المال الحلال بقدر الإمكان.
اختيار الرفيق الصالح
ومن المستحسن اختيار الرفيق الصالح، فقد قالت الحكماء: الرفيق قبل الطريق، وعليه أن يختار رفيقاً من أصحاب الدين والاستقامة يدله على الخير ويحثه على العمل الصالح لأن المرء على دين خليله، ولا يُعْرف الرجل إلا بقرينه ورفيقه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر الرجل وحده، وقال: « إذا كنتم ثلاثةً في السفر فأمروا أحدكم»، وإنما يحتاجون إلى الأمير لأن الآراء تختلف في أعمال السفر وتختلف في الارتحال والنزول، وفي شراء الزاد والحوائج، وفي تنظيم خطة السير، فإذا اتفقوا على أن يكون أحدهم أميراً ووعدوا بإطاعته وعدم مخالفته، ارتاحت نفوسهم وانتظم أمرهم، ويجب على الأمير أن يستشيرهم في كل أمرٍ قبل أن يعطي القرار فيه.
وداع الأهل والأصحاب
ومن آداب المسافر أن يودع الأهل والأصحاب، ومن السنة أن يقول لمن يودعه: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، فيقول له صاحبه: زوَّدك الله التقوى وغفر ذنبك ووجَّهك للخير حيث توجهت.
الصلاة ودعاء السفر
ومن الأفضل للمسافر أن يصلي قبل سفره ركعتين، فإذا خرج من الباب يقول: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، رب إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزِل أو أُزَل أو أُظلم أو أظلم أو أجهل أويجهل علي، فإذا ركب الطائرة أو السيارة فليقل: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .
رخص السفر:
إن الشارع الحكيم منح المسافر بعض التخفيفات في العبادة التي سماها رخصة لأن الله تعالى يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)البقرة: ???.وقال تعالى : (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)النساء: ??.
والرخصة جعلت لرفع المشقة عن المسافر الذي يخرج من بلده أكثر من مسافة القصر، وهي ما يقارب ثمانين كيلو متراً ، فلا يكلف بتأدية صلاة الجمعة وهو مُخيَّر فيها وليس مُجْبراً عليها، ومثلها صلاة العيدين، ويمسح على الخفين والجوربين إذا أراد الوضوء، قال صفوان بن عسالٍ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهنَّ، فكل من لبس الخف على طهارةٍ ثم أحدث فله أن يمسح على خفة خلال المدة المذكورة ، وله أن يتيمم عند فقد الماء أو قلته أو بعده عن مكان نزوله. والقصر في الصلاة يشمل الصلاة الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء فيصليها ركعتين فقط، وله أيضاً أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم وبين المغرب والعشاء جمع تأخير...وأما السنن والنوافل فيجوز أداؤها على الراحلة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته أينما توجهت به دابته، والمتنفل على الدابة ليس عليه إلا الإيماء أي : الانحناء ، ويجعل انحناء السجود أكثر من الركوع.
ويجوز له الفطر في رمضان على أن يقضي الأيام التي أفطرها، وذلك بعد رجوعه أو عند إقامته في بلدٍ آخر.
وهكذا يتبين لنا ما في الإسلام من يسرٍ وسماحةٍ، وأن الله سبحانه ما جعل علينا في الدين من حرج، وقد ذكر العلماء أن المشقَّة تجلب التيسير، يعني أن الصعوبة تصير سبباً للتسهيل، ويقع التسامح في وقت المضايقة.
آداب الرجوع من السفر
وأخيراً فإن الرجوع من السفر له بعض الآداب أيضاً. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من غزوٍ أو حجٍ أو عمرةٍ يكبر على كل شرفٍ من الأرض يعني على كل مكانٍ مرتفع ثلاث تكبيراتٍ ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، وكان صلى الله عليه وسلم ينهي أن يطرق المرء أهله ليلاً ولا يقدم عليهم بغتةً وكان إذا قدم دخل المسجد أولاً وصلى ركعتين ثم دخل البيت، وينبغي أن يحمل المسافر لأهله عند رجوعه تحفةً أو هديةً يسرهم بها ويدخل بها الغبطة والفرح إلى قلوبهم.
تنويه:
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين