وراثة ومتابعة
القسم الثاني: المتابعة
2. الدعوة إلى الله تعالى
كان الشيخ حاج محمد والد الشيخ محمد علي مشعل ثم عمّه الشيخ حسين مرجع حولة حمص بقراها السنّية وجيرانها من أهل السنة ومن النصيرية في الفتوى والمحاكمات والإرث وكل شؤونهم. وفي أواخر الأربعينات بدأ الشيخ ينوب عن والده وعمّه ثم أصبح هو المرجع الوحيد لهم وللشيعة كذلك. ودخل الإسلام قرى النصيرية ومن أهمها قرية شين من أكبر قراهم وقرية السنكري وأصبح في كل قرية نصيرية غيرهما قليل موحدون من أهل السنة والجماعة، ودخل التّسنُّن قرية الغور الغربية الشيعية.
في أواخر الأربعينات، بدأت دعوة الإسلام في شين بإسلام الشيخ محمود شاهين أكبر شيوخهم فيها ثم مختار البلدة وهو من مشايخهم، وبصلات الشيخ محمد علي مشعل وتواصله معهم انضم بدعوتهما عدد لا بأس به من أهل البلدة وعرّفهم على العلماء ووصلهم بالشيخ بكور الغجري الذي يسعى في بناء المساجد، فسمع منهم ما يدل على صحة إسلامهم، وسعى بهم مع تنسيق الشيخ إلى مشايخ حمص ثم مشايخ حماة ثم مشايخ حلب حتى تم بناء المسجد عام ١٩٥٠م. ورشح الشيخُ لإمامته الشيخَ مرعي الظاهر رحمه الله لخبرته وقد تقلب في عدة قرى تاركا أثرا طيّبا أهم محاوره: صلاة الجماعة والأخوة وحب العلماء، كيف لا والشيخ مرعي مريد الشيخ حاج محمد مشعل وتلميذ الشيخ حسين مشعل.
وبعد أن تعرّف شيخ الغور الشيخ حسن سمرو المجتهد الشيعي المتخرج من النجف على خطة الثانوية التي أسسها عام ١٩٥٣م الشيخ محمد علي مشعل في الدعوة الإسلامية وسلامتها، وحدثه الشيخ طويلا، وشهد حب أهل السنة لآل البيت، ووجد منه الوسطية والاعتدال وعدم التطرف، وحب الصحابة، وحب أهل الخير، والحرص عليهم، كان آخر الأمر من الشيخ حسن أن أوصى جماعته بأن مرجعكم في كل شيء الشيخ محمد علي مشعل، وهكذا أصبح الشيخ المرجع لأهل قرية الغور التي هي من أكبر قرى الشيعة في سورية، والتحق بالمدرسة من الشيعة سبعون طالبًا على الأقل فيهم أبناء وأحفاد مرجعهم. وجدد الشيخ مشعل بناء الجامع في قرية الغور وصلى بهم الجمعة مرتين وعيّن لهم مؤذنا وإماما.
وأيام الوحدة مع مصر نحو عام ١٩٥٨م دشّن مسجد شين رسميا بحضور وزير الأوقاف المركزي الشيخ أحمد حسن الباقوري وعدد من علماء سورية رحمهم الله جميعا، وخطب الشيخ مشعل خطبة الجمعة بحضورهم. وتأثر بالخطبة الشيخ النصيري علي ديب، وحكى للشيخ عن شيوخ بيت الخير من طائفته وكان يطلق عليهم المنصفين ويريد أن يعرّف الشيخ عليهم. وتعرف الشيخ على معتقدات المنصفين وأنهم يعتبرون أنفسهم شيعة جعفرية ويلتزمون عقائدهم، واطلع الشيخ على كتبهم التي توضح ذلك وتفصّله.
وكان الإسلام يغيظ المُرشِديّين في شين ومن يحرّكهم، ويخرجون متظاهرين منادين بأن لا إله إلا مجيب، وهم يقصدون ابن سليمان فيسي (المرشد) الذي نصبه الفرنسيون ربّا ونادوا له بسلمان عيده نبيا ولقبوه محيي الدين بك. وفي عام ١٩٦٤م هجم المرشِدّية بسلاحهم على جامع شين ومن فيه من المسلمين الموحدين ومعهم إمامه الشيخ مرعي، ودارت المعركة التي نصر الله فيها الشيخ مرعي ومن معه. وبلغت الأخبار الناس في محافظتي حمص وحماة فخرجت مظاهرات تأييد المسلمين واستنكار عدوان المرشديين. وتوسعت الدعوة في شين وبني مسجد جديد باسم سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه، وجدد بناء المسجد القديم وسمي مسجد سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه.
وقبل الوحدة التي كانت عام ١٩٥٨م، كان الشيخ يلقي حمص الخطب والدروس في المناسبات الدينية والاجتماعية، ويشارك كذلك في الدرس العام حديث الثلاثاء. وفي فترة الوحدة توقف درس حديث الثلاثاء وعاد بعد الانفصال، وأصبح الشيخ يتولاه في غالب الأحيان. وكان حديث الثلاثاء في جامع التوبة، وضاق المكان بالناس، وانتقل الدرس إلى جامع التلة، وكان يمتلئ ويقف الناس في الطريق لاستماعه، حتى كانت محاضرة ٣٠ كانون الثاني/يناير ١٩٧٣م التي عرفت باسم خطبة الدستور في جامع جورة الشياح واعتقل الشيخ بعدها سنتين.
وفي السجن بعد ثماني أشهر ونصف في المنفردة، نقل الشيخ إلى المهجع وفيه متدينون وناصريون منهم محافظ سابق ورائد، وبعثي واحد كان رئيس اتحاد الطلبة. وفي المهجع أقام الشيخ دروسا في مختلف العلوم الشرعية، وتردد بعضهم إلى أن فتح الشيخ دروس اللغة العربية والبلاغة والأدب العربي، والتفوا حوله جميعا إلا واحدا من الناصريين، وكانوا يحمدون الله أن سجنهم ليتعلموا دينهم، بل كان البعثي يقول أنه مستعد لأن يبقى في السجن ١٥ سنة مع الشيخ محمد علي مشعل.
ثم خرج الشيخ من السجن بعد سنتين مطلع شباط/فبراير ١٩٧٥م، وعاد درس حمص العام في جامع التلة ثم جامع الدالاتي. وحيث كان يؤمه الآلاف، انتقل الدرس إلى الجامع النوري الكبير لسعته وخصص له يومي الإثنين والخميس، واستمر حتى خروج الشيخ من سورية عام ١٩٧٩م.
وفي المدينة المنورة في الثمانينات عندما كان أستاذا في المعهد العالي التابع لجامعة الإمام، كانت له سلسلة توجيهية لطلبة المعهد الديني نحو ربع ساعة يوميا بين أذان الظهر وصلاتها. ثم في جدة من التسعينات حتى عام ٢٠٠٥م، في برج دلة كان يعمل مستشارا شرعيا لمجموعة دلة البركة وجمعية إقرأ الخيرية، كان يصلي الظهر إماما ويلقي بعدها على موظفي الشركات درسا يوميا من عشرة دقائق قبل أن ينصرفوا عائدين لوظائفهم. وكان منه السعي في مد جسور التواصل بين علماء الشام وعلماء نجد الجزيرة. وكان بيته ومكتبه وهاتفه مفتوحا لاستقبال الوفود وأصحاب المصالح والحاجات، كحال غرفة شيخه الشيخ طاهر الرئيس رحمه الله، فهناك حلّ مشاكل أسرية وإصلاح ذات البين ومساعدة محتاج وإجابة فتوى واستشارة.
وكان الشيخ محمد علي مشعل حريصا على الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، يشغل من حوله بالخير من علم وذكر لله تعالى، لا يفوته ذكر الله والتذكير به مجلس أو طريق أو مناسبة. وكان أحيانا يسافر بسيارة الأجرة بين المدينة المنورة وجدة، فيعظ السائق ومن معه ويقص عليهم ما فيه العبرة ويحثهم على ترك المنكرات ويعلّمهم الأذكار. وكان لكل من حوله من أهل بيته وأحبابه وطلابه نصيب من توجيهاته العامة ونصائحه خاصة وتنبيهات متفرقة.
ويتبع عن مسيرته رحمه الله تعالى.
ليلة الأربعاء ٨ ربيع الأول ١٤٤٦هـ
الموافق ١١ / ٩ / ٢٠٢٤م
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين