الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (8)

الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (8)

التصنيف: علماء دعاة مربون
الاثنين، 17 جمادى الأولى 1446 هـ - 18 نوفمبر 2024
35
محمد فاروق بطل...
محمد فاروق بطل...
الميلاد :1936 - 05 - 13- الوفاة :2024 - 07 - 24

يتبع .. شيوخ كرام لقيتهم واستفدت منهم ولم أدرس بين أيديهم


2 ـ العالم المربي الداعية الشيخ أحمد البيانوني ـ رحمه الله تعالى ـ
إنه العالم الداعية الرباني ابن العالم الرباني المشهور بحبه لسيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الشيخ عيسى البيانوني، لم أعاصر الأخير ولكن كان يقال لنا ـ ونحن طلاب في الثانوية الشرعيَّة ـ: أقطاب مدينة حلب هم: الشيخ عيسى البيانوني، والشيخ نجيب سراج الدين، والشيخ سعيد الإدلبي، والشيخ محمد الشماع ـ رحمهم الله تعالى ـ كانت حلب مجمعة على حبهم، والثناء عليهم، لا أعرف مِن هؤلاء الربانيين الأجلاء إلا الشيخ سعيد إدلبي، الذي كان منور الوجه، جميل السمت، باسم الثغر ـ رحمه الله تعالى ـ،يؤسفني أنه لم يدرِّسني، لأنه قد تقدمت به السن، لكنني كنت أراه لسكنه المجاور للثانوية الشرعيَّة في حي السفاحية، ثم إني كنت أراه قبيل الفجر في طريقه إلى المسجد أو إلى حمام السوق، فكنت أسعد وأُسرُّ بلقياه.


كذلك فإن الشيخ أحمد البيانوني لم يدرسني، وإنما كان معلماً لدى مديرية التربية في حلب، فانتُدِب للثانوية الشرعية، وكان يشغل منصب مدير مساعد لمدير الثانوية الشرعية الشيخ الجيل عبد الله سلطان ـ رحمه الله تعالى ـ ، كان ـ رحمه الله تعالى ـ إدارياً حازماً، متحركاً، متابعاً، منظماً، وإلى جانب ذلك كان مربياً داعية بالحال والقال، يتابع الطلبة في أداء الصلوات في أوقاتها، يطوف عليهم في غرفهم ومهاجعهم وملاعبهم، ورغم ما عُرف عنه من جدية، فقد كان يشارك الطلاب في رياضتهم، خاصَّة في رياضة كرة السلة يساعده على ذلك: طوله ومتانة جسمه ونشاط حركته...، لقد حبَّب إلينا الرياضة، وأعطانا نموذجاًَ جديداً للشخصية الإسلامية النشيطة الفاعلة، القوية المنضبطة، الجادة، المنظمة... لم يكن شيخاً تقليدياً... بل كان عالماً مربياً داعية، أسَّس جماعة أبي ذر ذات الشبه الكامل بجماعة أسامة بن زيد في دمشق، والتي أسسها العالم الرباني الشيخ عبد الكريم الرفاعي ـ رحمه الله تعالى ـ، وقد جمع الله بين الشيخين الجليلين، والرائدين الداعيتين المربيين: الشيخ أحمد البيانوني والشيخ عبد الكريم الرفاعي، بكثير من أوجه الشبه والتعاون...، كذلك فإن الله قد جمع بينه وبين الشيخ عبد الفتاح أبي غدة ـ رحمهم الله تعالى ـ في كثير من الصفات... فقد كانا أخوين متحابين، متعاونين عاملين، منهجهما واحد، وفكرُهما واحد، ويكاد يكون شكلهما واحداً في طولهما، وأناقتهما، وجمال مظهرهما، وطول لحيتهما، اشتركا في تأليف كتاب واحد... استخلف الشيخ البيانوني ولده أبا النصر على مسؤولية هذه الجماعة(1)، عندما شعر بدنو أجله واشتداد مرضه ـ رحمهما الله تعالى ـ، وإني لأشهد أن الشيخ كان قمة في التطبيق في نفسه، وفي بيته، ربى أولاده خير تربية، وكلهم بحمد الله ساروا في طريق الدعوة إلى الله، حملوا مسؤولياتها، ونهضوا بأعبائها، سعدت بصحبة ولده الأخ علي أبي أنس وولده الأخ الدكتور: أبي الفتح البيانوني حفظهما الله، وولده الأخ أبي النصر الأمين العام للجبهة الإسلامية ـ رحمه الله تعالى ـ.


اجتذبتني في سيرته أمور كثيرة، أذكر منها أمرين:

الأمر الأول: طريقته في المشي، فقد وَصَف سيدنا علي رضي الله عنه مشية سيدنا رسول الله e أنه كان إذا مشى كأنه يتحدَّر من صَبَب، أي كأنه ينزل من علٍ جسداً مشدوداً،ً وصدراً ممدوداً، وخطوات قوية، ورجلين متسارعتين، نعم هكذا كان يمشي الشيخ البيانوني، يتأسَّى برسول الله e.


أما الأمر الثاني: صلاته الخاشعة، ذلك أنني حين كنت أصلي بجانبه في المسجد أو وراءه، كنت أحس بتفاعله مع أذكار الصلاة وأدعيتها وتلاوتها، وحركاتها، قد لا أسمع صوته، ولكني كنت ألحظ حركة رأسه وجسمه.


وإن أنس لا أنسى الرحلة المشتركة إلى مصيف أريحا مع ثلة من مدرسي التربية الإسلامية، صحبة شيخهم البيانوني والشيخ القلاش رحمهما الله تعالى ـ وفي هذه الرحلة تدارسنا مع الشيخ البيانوني سبل التعاون بين مدرسي مادة التربية الإسلامية في خدمة الإسلام والدعوة إليه. والأنشطة التي ينبغي أن نمارسها، وقد كتب ذلك بخط جميل وأنيق، لا زلت أحتفظ بما كتب في مكتبتي بحلب.

يتبع في الحلقة التاسعة، ونبدأ فيه الحديث عن الداعية العالم ، والواعظ الرباني الشيخ محمد جميل العقاد ـ رحمه الله تعالى



(1) لم يكن هذا الاختيار بصفته كبير أولاده، وإنما لأن الأخ أبا أنس ولده الكبير كان معروفاً بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين والتزامه بها برضى والده وتشجيعه، وقد كان معتقلاً لدى وفاة والده، ثم إن الأخ أبا الفتح كان في الرياض يدرِّس في جامعة الإمام محمد بن سعود.

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين