المسيرة الدعوية للشيخ محمد علي مشعل (2)

المسيرة الدعوية للشيخ محمد علي مشعل (2)

التصنيف: علماء فقهاء
الاثنين، 5 ربيع الآخر 1446 هـ - 7 أكتوبر 2024
138

وراثة ومتابعة


القسم الثاني: المتابعة

في الشيخ محمد علي مشعل، قال الشيخ ممدوح جنيد رحمه الله: "نشأت وأنا أسمع بذلكم الصرح الدعوي الشامخ". وهذا مع أن الشيخ محمد علي أسنّ من الشيخ ممدوح بست عشرة سنة فقط. وهو بمسيرته الدعوية يتابع سيرة مشايخه الذين ورث عنهم العلم والحال والعمل.



١. تطوير التعليم
على مشارف الخمسينات افتتح الشيخ محمد علي مشعل في بلده تَلْدَو كُتّابا مع عمَه الشيخ حسين مشعل طور فيه من آليات التعليم والتربية ليكون مدرسة، وصار ينوب كذلك عن والده الشيخ حاج محمد مشعل في مهامه العلمية والدعوية. وبغرض تطوير التعليم الابتدائي في المنطقة، استوفى متطلبات التعليم في وزارة المعارف عام ١٩٥٠م بتحصيله شهادة الكفاءة ودخل سلك التعليم الرسمي معلما وكيلا في قرية كفرلاها حيث كانت أكبر قرى الحولة، وعمل على التعاون مع وجهاء القرية وزعمائها لتوسعتها. ثم عمل على بناء مدرسة تلدو وإصلاحها، وانتقل إليها معلمًا أصيلا ومديرا عام ١٩٥١م. والتحق طلابه في الكتاتيب بالمدرسة وتخرجوا منها. وفي العام التالي أسس متوسطة أهلية إلى جانب استمراره مدرسا ومديرا للمدرسة الإبتدائية التابعة للمعارف.
ثم عام ١٩٥٣م حصل شهادة الثانوية العامة الفرع الأدبي بغرض استيفاء متطلبات رخصة إنشاء ثانويته الخاصة وسعى في ترخيصها متحملا عرقلة البعثيين والشيوعيين لها حتى تدخل الشيخ د. مصطفى السباعي مع وزير المعارف الذي تدخل بمنصبه مع مدير التعليم الخاص. ثم ظهر الحاسدون الطامعون، فقال الشيخ: من أراد أن يكون شريكا فليأخذ سهما، وجعلها مساهمة، وتم الأمر. وبنيت المدرسة في وقت لا تستطيع الدولة فيه إقامة مثلها لضيق الميزانية. وفي العام التالي أسس الشيخ محمد طيب ابن الشيخ عبد القادر خوجه مدرسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حمص.
ولأغراض الدعوة في المنطقة وجوارها من أهل السنة والنصيرية والشيعة، أسماها ثانوية علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخاصة، وهي مدرسة خاصة يدرس فيها الفقير مجانا، وكان كثير من الطلبة يسير إليها مسافة ٥-٨ كم. وقد زيد في ساعات الديانة وساعات اللغة العربية، وكان فيها ١٦ مدرسا من ذوي الاختصاص ويحملون همّ تجهيز الشباب ليطبقوا الإسلام على أنفسهم وأهليهم وذويهم وفي ناحيتهم. وممن درس فيها في الخمسينات الأستاذ صدقي محمد البيك والشيخ غازي التوبة.
وعام ١٩٦٤م تولى منصب مدير التعليم شخصية إسماعيلية طائفية، وزار الثانوية فلم يعجبه توجهها. واستولت الدولة على المدرسة وأتت بمدرسين جدد من دار المعلمين والمخابرات. وحضر الطلبة أول حصتين فصدموا بسلوك المعلمين غير المتديّن وتقديم القومية على الإسلام، فامتنعوا عن دخول الصفوف وقامت مظاهرة عفوية من الأهالي شارك فيها الرجال والنساء والأطفال. وبقيت المدرسة في أيديهم، وحاولوا إقناع المدرسين السابقين بالعمل فيها وتكون لهم، فأجابوا أنها للشيخ ولا يحل لهم اخذها.
ثم حصل حوار من الشيخ مع رئيس الشعبة السياسية في حمص، وتوسط مفتي حمص بدر الدين الأتاسي الذي أرسل رسالة لنور الدين الأتاسي وزير الداخلية فيها: "إذا أنت أكرمت محمد علي مشعل.. أكرمت علماء حمص جميعا، بل أكرمت أهالي حمص جميعا". وبعد شهرين من استيلاء الدولة على المدرسة تم تقديم الاعتذار وإرجاع المدرسة، ثم بعد مدة كانت مساعي التدخل من خلال فرض مديرين بعثيين وعلمانيين، واستمرت المدرسة في عطائها ٢٥ عاما إلى سنة ١٩٧٨م. وبعد خروج الشيخ تم الاستيلاء عليها وتحويلها لمقر حزبّي ثم لمدرسة حكومية.
وبعد هجرته إلى المدينة المنورة، وأثناء تدريسه مع جامعة الإمام في المعهد الديني والمعهد العالي في الفترة ١٩٧٩م-١٩٩٠م، لاحظ بعض ما يشوب مناهج المرحلة المتوسطة في مادة التاريخ الإسلامي بخصوص أحداث الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم.. فاستدرك بتصويبها مع المعنيّين، وساهم كذلك في وضع مناهج التعليم العالي كما ساهم في تدريسها، وخلّف فيه إرثا مخطوطا إلى جانب الأثر العلمي الذي غرسه في طلابه، وكان من تلك المناهج كتاب فقه الدعوة وكتاب مناهج الدعوة وأساليبها ومواد في تفسير وشرح نصوص مختارة من الكتاب والسنة وغيرها.
وفي عام ١٩٩٣م، توفي مرجع حمص الشيخ محمود جنيد رحمه الله، فأطلق الشيخ مبادرة لتأسيس الشباب وطلاب العلم في مختلف العلوم الشرعية من خلال دورات متكاملة فيها وظائف وامتحانات على طريقة التعليم النظامي. وكان لبعض المواد مذكرات أعدها منها كتاب العقيدة الإسلامية وكتاب علم النحو وكتاب علم الفرائض. وكانت تعقد هذه الدورات زيادة على التزامه بحلقاته الأسبوعية، واستمرت حتى كنت في الدفعة الأخيرة عام ٢٠٠٢م.
وإلى جانب كتب الحلقات التي يدرسها في المدينة المنورة، ومعها جدة ومكة المكرمة على مدى ١٥ سنة، وكذا الطائف في فترة، والرياض بعد ٢٠٠٤م، كان من عادته تلخيص بعض المهمات والأحكام والدقائق وتدريسها إلى جانب كتاب الحلقة. وكان يراعي احتياج بعض طلابه في القراءة الخاصة عليه.
ويتبع عن مسيرته رحمه الله تعالى.
*******
ليلة الثلاثاء ٧ ربيع الأول ١٤٤٦هـ
الموافق ١٠ / ٩ / ٢٠٢٤م

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين